بعد الانتخابات النيابية في لبنان، وما واكبها من حشد سياسي وإعلامي ومبالغ طائلة، ومفرقعات نارية احتفاء بالانتصار لدى 14 آذار ،وإحباط لدى المعارضة وبانتظار ولادة الحكومة اللبنانية التي من المفترض تشكيلها على أساس نتائج الانتخابات التي ربحت فيها 14 آذار ،إلا أن الوقائع والتطورات الإقليمية والدولية وبانتظار نتائج الوضع الداخلي في إيران ،وكذلك العراق وفلسطين تفجّرت الساحة السياسية اللبنانية بانقلابات داخل منظومة 14 آذار ذاك المولود السياسي المصنّع غربيا ،لوظيفة ظرفية بدأت تفقد دورها المطلوب لمواجهة محور الممانعة والمقاومة ،ولا بد من حّل هذه المنظومة لصالح علاقات سياسية عربية – عربية وعربية – أميركية وغربية.
وبما أن الوزير جنبلاط كان رأس الحربة لمواجهة سوريا وحزب الله في لبنان، عندما كانت الظروف أو المصالح الأميركية تقتضي ذلك، وعندما تغيّرت الأهداف الأميركية كان لا بد من إرجاع الحربة إلى غمدها، ورفع الأيدي للمصافحة بدل المواجهة والطعن بالسيوف، ولكن سرعة التحول الغربي وفشل المشروع الغربي في إيران، وكذلك ضعف السلطة الفلسطينية بالتكافل مع إسرائيل والنظام المصري، جعل أقطاب 14 آذار يصابون بالدوار السياسي والضيّاع ،مما دفع الرئيس المكلف لأخذ إجازة عائلية ،لاستيعاب الحدث الجنبلاطي والاستفسار من المراجع الدولية المعنية، وسؤالها هل أن حركة جنبلاط حركة مستقلة ومنفردة أو أنها منسّقة خارجيا...؟
وهل المطلوب التعاطي معها سلبا أو إيجابا، لأنها ستفرض معطيات ومصطلحات جديدة سواء لجهة الثلث الضامن أو الأكثرية النيابية أ مصطلحاتو 14 و 8 آذار ،و الوسطية الجديدة المتضامنة مع رئيس الجمهورية، بحيث تصبح التركيبة الحكومية 12 للأكثرية و 10 للمعارضة و 8 لرئيس الجمهورية والوسطية، مع إمكانية تناقص عدد الأكثرية لصالح الوسطية، بحيث تصبح التركيبة(10+10+10) بعد انسحاب الكتائب لصالح الوسطية ولدعم رئاسة الجمهورية.
ويتحقق بذلك التوازن الإقليمي والدولي والمحلي، والتخلص من الاصطفافات الحادة لصالح التحالفات والعناوين المتحركة، وإلغاء الأرجحية أو الاحتكار السياسي أو المؤسساتي طيلة المرحلة القادمة، والمتوقع أن يمتد عمرها لأكثر من سنة ونصف ،حتى تستطيع الإدارة الأميركية من التقاط أنفاسها، على الصعيد العسكري في أفغانستان والعراق ،ولاستيعاب الكارثة المالية في الداخل الأميركي، وبالتالي يتم الحفاظ على (استاتيكو) سياسي وأمني في لبنان بانتظار المتغيرات الإقليمية والدولية.
فإذا كانتالأوضاع لصالح المشروع الأميركي مجددا، فيعطى الإيعاز للبعض لإعادة الاصطفاف السياسي وإعادة التحكم بالمؤسسات الدستورية والإدارية في لبنان، ولعّل سفر رئيس القوات اللبنانية مع زوجته إلى الخارج ، وسفر الرئيس المكلّف لتمضية إجازة عائلية أيضا بالشكل الظاهري، ليؤكد الضياع والتخبط وعدم القدرة على فهم واستيعاب التطورات الجديدة خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية المصري، والصمت السعودي وكذلك الأميركي، مما يجعل ولادة الحكومة اللبنانية متعذرا في المدى القريب.
بالإضافة إلى تغير قواعد التأليف والتوزيع بشكل غير مريح لمنظومة 14 آذار المتصدعة والمهيأة للتصدع أكثر فأكثر ،بعد انفراط عقدها وانتفاء وظيفتها، بل على العكس وجوب التخلص من وجودها وشعاراتها التي لا تنسجم مع الوقائع الأميركية والغربية والعربية المستجدة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة اللعبة السياسية في لبنان إلى جوهرها الطائفي بدل اصطفافها السياسي الذي تجذر خلال السنوات الماضية ،لأن إبقاء الوضع في لبنان طائفيا ومذهبيا يسهّل على الأميركيين التلاعب بالاستقرار الأمني وإشعال الفتن الداخلية من ضمن مشروع التفتيت المذهبي والطائفي والقومي،الذي يتعرض له العالم العربي خصوصا.
ولعّل الإدارة الأميركية التي تواجه مآزق متعددة في كل المنطقة وتحصد الفشل تلو الفشل لا تستطيع المجازفة بالتخلي عن بعض الساحات، دون مقايضتها بساحات أخرى غير أن محور الممانعة المتمثل بسوريا وإيران وبالتضامن مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق يميلون إلى الحّل والمقايضة الشاملة، بدل الحلول المنفردة في كل ساحة من هذه الدوائر الساخنة ولدفع الأميركيين للاعتراف بهذا المحور، كمحاور يستطيع تنفيذ تعهداته، خلاف محور الاعتدال الذي ظهر ضعفه بحماية نفسه أو دعم وحماية حلفائه، مع كل الدعم الذي تم توفيره لهم.
إن الساحة اللبنانية تظهر كل يوم استثنائيتها، بعدم انطباق القواعد والخطط السياسية الدولية عليها فالرابح شكلا في الانتخابات لا يستطيع استثمار ربحه، حيث ينام والأكثرية بيده ويستيقظ وهو أقلية متناثرة، والرعاة الدوليون والإقليميون يتحسرون على الزيارات المكوكية وعلى حقائب المال المدفوعة ثمنا للانتصار الانتخابي، وكما خسرت المعارضة استثمار الانتصار في تموز عام 2006 ولم تعترف فيه الأكثرية آنذاك، فإن الأكثرية الآن لا تستطيع استثمار انتصار،ا والأهم من ذلك أن تصدع الأكثرية وانعزال بعض القوى المراهنة على المشروع الأميركي والإسرائيلي سيساهم في إبعاد أو إلغاء الخطر خطر العدوان الإسرائيلي الجديد على لبنان، لافتقاره للبيئة الداخلية المسهلة أو الكفيلة بالأشغال والإقلاق الداخلي للمقاومة، أو يدفع التحالف الأميركي –الإسرائيلي ، للمغامرة العسكرية لقلب موازين القوى الداخلية ، وإنقاذ القوى الحليفة له ، أو الصامتة عن إعنداءاته.
ونحن على مشارف ذكرى انتصار في 14 آب نستطيع استثمار هذا الانتصار بعد تأخير دام ثلاث سنوات ولإبلاغ من يعنيه الأمر، أن الساحة اللبنانية لا يمكن جذبها أو نقلها لصالح المشروع الأميركي الصهيوني، المتمثل بفرض التوطين ،زالحياد الإيجابي في الصراع العربي -الإسرائيلي،وأن الساحة اللبنانية هي ميزان ومؤشر تعادل القوى أو انتصار وهزيمة أحد المحورين المحور الأميركي أو محور الممانعة والمقاومة، والتاريخ يثبت أن النصر حليف الشعوب المقاومة وأن الاستعمار والاحتلال إلى زوال، حتى لو امتدى إلى مئات السنين ،فالأرض لأهلها والأوطان لشعوبها والرصاص للمحتلين والعار للعملاء والمتواطئين وأكاليل الورد للشهداء والمقاومة.